کد مطلب:90498 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:260
[صفحه 134] بِذَلِكَ مَلاَئِكَتَهُ الْمُقَرَّبینَ، لِیَمیزَ الْمُتَوَاضِعینَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُتَكَبِّرینَ[1]، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ هُوَ الْعَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ الْقُلُوبِ وَ مَحْجُوبَاتِ الْغُیُوبِ: إِنّی خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طینٍ فَإِذَا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فیهِ مِنْ رُوحی فَقَعُوا لَهُ سَاجِدینَ فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلیسَ[2]، اعْتَرَضَتْهُ الْحَمِیَّةُ، فَافْتَخَرَ عَلی آدَمَ بِخَلْقِهِ، وَ تَعَصَّبَ عَلَیْهِ لأَصْلِهِ. فَعَدُوُّ اللَّهِ إِمَامُ الْمُتَعَصِّبینَ، وَ سَلَفُ الْمُسْتَكْبِرینَ، الَّذی وَضَعَ أَسَاسَ الْعَصَبِیَّةِ، وَ نَازَعَ اللَّهَ رِدَاءَ الْجَبْرِیَّةِ، وَ ادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّزِ، وَ خَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّلِ. أَلاَ تَرَوْنَ كَیْفَ صَغَّرَهُ اللَّهُ بِتَكَبُّرِهِ، وَ وَضَعَهُ بِتَرَفُّعِهِ، فَجَعَلَهُ فِی الدُّنْیَا مَدْحُوراً، وَ أَعَدَّ لَهُ فِی الآخِرَةِ سَعیراً. وَ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ یَخْلُقَ آدَمَ مِنْ نُورٍ یَخْطَفُ الأَبْصَارَ ضِیَاؤُهُ، وَ یَبْهَرُ الْعُقُولَ رُوَاؤُهُ، وَ طیبٍ یَأْخُذُ الأَنْفَاسَ عَرْفُهُ، لَفَعَلَ، وَ لَوْ فَعَلَ لَظَلَّتِ الأَعْنَاقُ لَهُ[3] خَاضِعَةً، وَ لَخَفَّتِ الْبَلْوی فیهِ عَلَی الْمَلاَئِكَةِ. وَ لكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ یَبْتَلی خَلْقَهُ بِبَعْضِ مَا یَجْهَلُونَ أَصْلَهُ، تَمْییزاً بِالاِخْتِبَارِ لَهُمْ، وَ نَفْیاً لِلاِسْتِكْبَارِ عَنْهُمْ، وَ إِبْعَاداً لِلْخُیَلاَءِ مِنْهُمْ. فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ بِإِبْلیسَ، إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّویلَ، وَ جُهْدَهُ الْجَهیدَ الْجَمیلَ[4]، وَ كَانَ قَدْ عَبَدَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالی[5] سِتَّةَ آلاَفِ سَنَةٍ، لاَ یُدْری أَمِنْ سِنِیِّ الدُّنْیَا أَمْ مِنْ سِنِیِّ الآخِرَةِ، عَنْ كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ. فَمَنْ ذَا بَعْدَ إِبْلیسَ یَسْلَمُ عَلَی اللَّهِ بِمِثْلِ مَعْصِیَتِهِ؟. كَلاَّ، مَا كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِیُدْخِلَ الْجَنَّةَ بَشَراً بِأَمْرٍ أَخْرَجَ بِهِ مِنْهَا مَلَكاً. إِنَّ حُكْمَهُ فی أَهْلِ السَّمَاءِ وَ أَهْلِ الأَرْضِ لَوَاحِدٌ، وَ مَا بَیْنَ اللَّهِ وَ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ هَوَادَةٌ فی إِبَاحَةِ حِمیً حَرَّمَهُ عَلَی الْعَالَمینَ. [صفحه 135] فَاحْذَرُوا، عِبَادَ اللَّهِ، عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلیسَ[6] أَنْ یُعْدِیَكُمْ بِدَائِهِ، وَ أَنْ یَسْتَفِزَّكُمْ بِنِدَائِهِ، وَ أَنْ یُجْلِبَ عَلَیْكُمْ بِخَیْلِهِ وَ رَجِلِهِ. فَلَعَمْری لَقَدْ فَوَّقَ لَكُمْ سَهْمَ الْوَعیدِ، وَ أَغْرَقَ إِلَیْكُمْ[7] بِالنَّزْعِ الشَّدیدِ، وَ رَمَاكُمْ مِنْ مَكَانٍ قَریبٍ، وَ قَالَ: رَبِّ بِمَا أَغْوَیْتَنی لأُزَیِّنَنَّ لَهُمْ فِی الأَرْضِ وَ لأُغْویَنَّهُمْ أَجْمَعینَ[8]. قَذْفاً بِغَیْبٍ بَعیدٍ، وَ رَجْماً بِظَنٍّ مُصیبٍ[9]، صَدَّقَهُ بِهِ أَبْنَاءُ الْحَمِیَّةِ، وَ إِخْوَانُ الْعَصَبِیَّةِ، وَ فُرْسَانُ الْكِبْرِ وَ الْجَاهِلِیَّةِ. حَتَّی إِذَا انْقَادَتْ لَهُ الْجَامِحَةُ مِنْكُمْ، وَ اسْتَحْكَمَتِ الطَّمَاعِیَةُ مِنْهُ فیكُمْ، فَنَجَمَتْ فیهِ الْحَالُ مِنَ السِّرِّ الْخَفِیِّ إِلَی الأَمْرِ الْجَلِیِّ، اسْتَفْحَلَ سُلْطَانُهُ عَلَیْكُمْ، وَ دَلَفَ بِجُنُودِهِ نَحْوَكُمْ، فَأَقْحَمُوكُمْ وَ لَجَاتِ الذُّلِّ، وَ أَحَلُّوكُمْ وَ رَطَاتِ الْقَتْلِ[10]، وَ أَوْطَؤُوكُمْ إِتْخَانَ الْجِرَاحَةِ، طَعْناً فی عُیُونِكُمْ، وَ حَزّاً فی حُلُوقِكُمْ، وَ دَقّاً لِمَنَا خِرِكُمْ، وَ قَصْداً لِمَقَاتِلِكُمْ، وَ سَوْقاً بِخَزَائِمِ الْقَهْرِ إِلَی النَّارِ الْمُعَدَّةِ لَكُمْ، فَأَصْبَحَ أَعْظَمَ فی دینِكُمْ جَرْحاً، وَ أَوْری فی دُنْیَاكُمْ قَدْحاً، مِنَ الَّذینَ أَصْبَحْتُمْ لَهُمْ مُنَاصِبینَ، وَ عَلَیْهِمْ مُتَأَلِّبینَ. فَاجْعَلُوا عَلَیْهِ حَدَّكُمْ، وَ لَهُ جِدَّكُمْ، فَلَعَمْرُ اللَّهِ لَقَدْ فَخَرَ عَلی أَصْلِكُمْ، وَ وَقَعَ فی حَسَبِكُمْ، وَ دَفَعَ فی نَسَبِكُمْ، وَ أَجْلَبَ بِخَیْلِهِ عَلَیْكُمْ، وَ قَصَدَ بِرَجِلِهِ سَبیلَكُمْ، یَقْتَنِصُونَكُمْ بِكُلِّ مَكَانٍ، وَ یَضْرِبُونَ مِنْكُمْ كُلَّ بَنَانٍ، وَ لاَ تَمْتَنِعُونَ بِحیلَةٍ، وَ لاَ تَدْفَعُونَ بِعَزیمَةٍ فی حَوْمَةِ ذُلٍّ، وَ حَلْقَةِ ضیقٍ، وَ عَرْصَةِ مَوْتٍ، وَ جَوْلَةِ بَلاَءٍ. فَأَطْفِئُوا مَا كَمَنَ فی قُلُوبِكُمْ مِنْ نیرَانِ الْعَصَبِیَّةِ، وَ أَحْقَادِ الْجَاهِلِیَّةِ، فَإِنَّمَا تِلْكَ الْحَمِیَّةُ تَكُونُ فِی الْمُسْلِمِ مِنْ خَطَرَاتِ الشَّیْطَانِ وَ نَخَوَاتِهِ، وَ نَزَغَاتِهِ وَ نَفَثَاتِهِ، وَ اعْتَمِدُوا[11] وَضْعَ التَّذَلُّلِ عَلی رُؤُوسِكُمْ، وَ إِلْقَاءَ التَّعَزُّزِ تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ، وَ خَلْعَ التَّكَبُّرِ مِنْ أَعْنَاقِكُمْ. [صفحه 136] وَ اتَّخِذُوا التَّوَاضُعَ مَسْلَحَةً بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَ عَدُوِّكُمْ إِبْلیسَ وَ جُنُودِهِ، فَإِنَّ لَهُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ جُنُوداً وَ أَعْوَاناً، وَ رَجْلاً وَ فُرْسَاناً. وَ لاَ تَكُونُوا كَالْمُتَكَبِّرِ عَلَی ابْنِ أُمِّهِ مِنْ غَیْرِ مَا فَضْلٍ جَعَلَهُ اللَّهُ فیهِ، سِوی مَا أَلْحَقَتِ الْعَظَمَةُ بِنَفْسِهِ مِنْ عَدَاوَةِ الْحَسَدِ وَ الْحَسَبِ، وَ قَدَحَتِ الْحَمِیَّةُ فی قَلْبِهِ مِنْ نَارِ الْغَضَبِ، وَ نَفَخَ الشَّیْطَانُ فی أَنْفِهِ مِنْ ریحِ الْكِبْرِ، الَّذی أَعْقَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ النَّدَامَةَ، وَ أَلَزَمَهُ آثَامَ الْقَاتِلینَ[12] إِلی یَوْمِ الْقِیَامَةِ. أَلاَ وَ قَدْ أَمْعَنْتُمْ فِی الْغَیِّ[13]، وَ أَفْسَدْتُمْ فِی الأَرْضِ، مُصَارَحَةً للَّهِ بِالْمُنَاصَبَةِ، وَ مُبَارَزَةً لِلْمُؤْمِنینَ بِالْمُحَارَبَةِ. فَاللَّهَ اللَّهَ فی كِبْرِ الْحَمِیَّةِ، وَ فَخْرِ الْجَاهِلِیَّةِ، فَإِنَّهُ مَلاَقِحُ الشَّنَآنِ، وَ مَنَافِخُ الشَّیْطَانِ، الَّتی خَدَعَ بِهَا الأُمَمَ الْمَاضِیَةَ، وَ الْقُرُونَ الْخَالِیَةَ، حَتَّی أَعْنَقُوا فی حَنَادِسِ جَهَالَتِهِ، وَ مَهَاوی ضَلاَلَتِهِ، ذُلُلاً عَنْ سِیَاقِهِ، سُلُساً فی قِیَادِهِ، أَمْراً تَشَابَهَتِ الْقُلُوبُ فیهِ، وَ تَتَابَعَتِ الْقُرُونُ عَلَیْهِ، وَ كِبْراً تَضَایَقَتِ الصُّدُورُ بِهِ. أَلاَ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ سَادَاتِكُمْ وَ كُبَرَائِكُمُ، الَّذینَ تَكَبَّرُوا عَلی حَسَبِهِمْ، وَ تَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ، وَ أَلْقَوُا الْهَجینَةَ[14] عَلی رَبِّهِمْ، وَ جَاحَدُوا اللَّهَ عَلی مَا صَنَعَ بِهِمْ، مُكَابَرَةً لِقَضَائِهِ، وَ مُغَالَبَةً لآلاَئِهِ، فَإِنَّهُمْ قَوَاعِدُ أَسَاسِ الْعَصَبِیَّةِ، وَ دَعَائِمُ أَرْكَانِ الْفِتْنَةِ، وَ سُیُوفُ اعْتِزَاءِ الْجَاهِلِیَّةِ. فَاتَّقُوا اللَّهَ سُبْحَانَهُ[15] وَ لاَ تَكُونُوا لِنِعَمِهِ عَلَیْكُمْ أَضْدَاداً، وَ لاَ لِفَضْلِهِ عِنْدَكُمْ حُسَّاداً، وَ لاَ تُطیعُوا الأَدْعِیَاءَ الَّذینَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِكُمْ كَدَرَهُمْ، وَ خَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ، وَ أَدْخَلْتُمْ فی حَقِّكُمْ بَاطِلَهُمْ، وَ هُمْ أَسَاسُ الْفُسُوقِ، وَ أَحْلاَسُ الْعُقُوقِ. إِتَّخَذَهُمْ إِبْلیسُ مَطَایَا ضَلاَلٍ، وَ جُنْداً بِهِمْ یَصُولُ عَلَی النَّاسِ، وَ تَرَاجِمَةً یَنْطِقُ عَلی [صفحه 137] أَلْسِنَتِهِمُ، اسْتِرَاقاً لِعُقُولِكُمْ، وَ دُخُولاً فی عُیُونِكُمْ، وَ نَفْثاً[16] فی أَسْمَاعِكُمْ، فَجَعَلَكُمْ مَرْمی نَبْلِهِ، وَ مَوْطِئَ قَدَمِهِ، وَ مَأْخَذَ یَدِهِ. فَاعْتَبِرُوا بِمَا أَصَابَ الأُمَمَ الْمُسْتَكْبِرینَ مِنْ قَبْلِكُمْ، مِنْ بَأْسِ اللَّهِ وَ صَوْلاَتِهِ، وَ وَقَائِعِهِ وَ مَثُلاَتِهِ، وَ اتَّعِظُوا بِمَثَاوی خُدُودِهِمْ، وَ مَصَارِعِ جُنُوبِهِمْ. وَ اسْتَعیذُوا بِاللَّهِ مِنْ لَوَاقِحِ الْكِبْرِ، كَمَا تَسْتَعیذُونَهُ[17] مِنْ طَوَارِقِ الدَّهْرِ، وَ اسْتَعِدُّوا لِمُجَاهَدَتِهِ حَسَبَ الطَّاقَةِ[18]. فَلَوْ رَخَّصَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ[19] فِی الْكِبْرِ لأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فیهِ لِخَاصَّةِ أَنْبِیَائِهِ وَ أَوْلِیَائِهِ، وَ لكِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَرَّهَ إِلَیْهِمُ التَّكَابُرَ[20]، وَ رَضِیَ لَهُمُ التَّوَاضُعَ، فَأَلْصَقُوا بِالأَرْضِ خُدُودَهُمْ، وَ عَفَّرُوا فِی التُّرَابِ وُجُوهَهُمْ، وَ خَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنینَ، وَ كَانُوا أَقْوَاماً[21] مُسْتَضْعَفینَ. قَدِ اخْتَبَرَهُمُ اللَّهُ بِالْمَخْمَصَةِ، وَ ابْتَلاَهُمْ بِالْمَجْهَدَةِ، وَ امْتَحَنَهُمْ بِالْمَخَاوِفِ، وَ مَخَضَهُمْ[22] بِالْمَكَارِهِ. فَلاَ تَعْتَبِرُوا الرِّضَا وَ السَّخَطَ بِالْمَالِ وَ الْوَلَدِ، جَهْلاً بِمَوَاقِعِ الْفِتْنَةِ وَ الاِخْتِبَارِ، فی مَوَاضِعِ الْغِنی وَ الاِقْتِدَارِ، فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالی: أَیَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَ بَنینَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِی الْخَیْرَاتِ بَلْ لاَ یَشْعُرُونَ[23]. فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالی یَخْتَبِرُ عِبَادَهُ الْمُسْتَكْبِرینَ فی أَنْفُسِهِمْ بِأَوْلِیَائِهِ الْمُسْتَضْعَفینَ [صفحه 138] فی أَعْیُنِهِمْ. وَ لَقَدْ دَخَلَ مُوسَی بْنُ عِمْرَانَ وَ مَعَهُ أَخُوهُ هَارُونُ عَلَیْهِمَا السَّلاَمُ عَلی فِرْعَوْنَ وَ عَلَیْهِمَا مَدَارِعُ الصُّوفِ، وَ بِأَیْدِیهِمَا الْعِصِیُّ، فَشَرَطَا لَهُ، إِنْ أَسْلَمَ، بَقَاءَ مُلْكِهِ وَ دَوَامَ عِزِّهِ. فَقَالَ: أَلاَ تَعْجَبُونَ مِنْ هذَیْنِ، یَشْرِطَانِ[24] لی دَوَامَ الْعِزِّ وَ بَقَاءَ الْمُلْكِ، وَ هُمَا بِمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ الْفَقْرِ وَ الذُّلِّ. فَهَلاَّ أُلْقِیَ عَلَیْهِمَا أَسَاوِرَةٌ[25] مِنْ ذَهَبٍ؟. إِعْظَاماً لِلذَّهَبِ وَ جَمْعِهِ، وَ احْتِقَاراً للصُّوفِ وَ لُبْسِهِ. وَ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنْبِیَائِهِ، حَیْثُ بَعَثَهُمْ، أَنْ یَفْتَحَ لَهُمْ كُنُوزَ الذُّهْبَانِ، وَ مَعَادِنَ الْعِقْیَانِ[26]، وَ مَغَارِسَ الْجِنَانِ، وَ أَنْ یَحْشُرَ مَعَهُمْ طُیُورَ السَّمَاءِ، وَ وُحُوشَ الأَرَضینَ[27]، لَفَعَلَ. وَ لَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ الْبَلاَءُ، وَ بَطَلَ الْجَزَاءُ، وَ اضْمَحَلَّتِ الأَنْبَاءُ[28]، وَ لَمَا وَجَبَ لِلْقَابِلینَ أُجُورُ الْمُبْتَلینَ، وَ لاَ اسْتَحَقَّ الْمُؤْمِنُونَ ثَوَابَ الْمُحْسِنینَ، وَ لاَ لَزِمَتِ الأَسْمَاءُ أَهَالیهَا عَلی[29] مَعَانیهَا. وَ كَذَلِكَ لَوْ أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ آیَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعینَ[30]، وَ لَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ الْبَلْوی عَنِ النَّاسِ أَجْمَعینَ[31]. وَ لكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولی قُوَّةٍ فی عَزَائِمِ نِیّاتِ[32] هِمْ، وَضَعَفَةً فیمَا تَرَی الأَعْیُنُ مِنْ حَالاَتِهِمْ، مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلأُ الْقُلُوبَ وَ الْعُیُونَ غِنیً، وَ خَصَاصَةٍ تَمْلأُ الأَبْصَارَ وَ الأَسْمَاعَ أَذیً. وَ لَوْ كَانِتِ الأَنْبِیَاءُ أَهْلَ قُوَّةٍ لاَ تُرَامُ، وَ عِزَّةٍ لاَ تُضَامُ، وَ مُلْكٍ تُمَدُّ[33] نَحْوَهُ أَعْنَاقُ الرِّجَالِ، وَ تُشَدُّ إِلَیْهِ عُقَدُ الرِّحَالِ، لَكَانَ ذَلِكَ أَهْوَنَ عَلَی الْخَلْقِ فِی الاِعْتِبَارِ[34]، وَ أَبْعَدَ لَهُمْ فِی[35] الاِسْتِكْبَارِ[36]، [صفحه 139] وَ لآمَنُوا عَنْ رَهْبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهُمْ، أَوْ رَغْبَةٍ مَائِلَةٍ بِهِمْ، فَكَانَتِ النِّیَّاتُ مُشْتَرَكَةً، وَ الْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَةً. وَ لكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ یَكُونَ الاِتِّبَاعُ لِرُسُلِهِ، وَ التَّصْدیقُ بِكُتُبِهِ، وَ الْخُشُوعُ لِوَجْهِهِ، وَ الاِسْتِكَانَةُ لأَمْرِهِ، وَ الاِسْتِسْلاَمُ لِطَاعَتِهِ، أُمُوراً لَهُ خَاصَّةً، لاَ تَشُوبُهَا مِنْ غَیْرِهَا شَائِبَةٌ. وَ كُلَّمَا كَانَتِ الْبَلْوی وَ الاِخْتِبَارُ أَعْظَمَ كَانَتِ الْمَثُوبَةُ وَ الْجَزَاءُ أَجْزَلَ. أَلاَ تَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اخْتَبَرَ الأَوَّلینَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ[37] إِلَی الآخِرینَ مِنْ هذَا الْعَالَمِ بِأَحْجَارٍ لاَ تَضُرُّ وَ لاَ تَنْفَعُ، وَ لاَ تُبْصِرُ وَ لاَ تَسْمَعُ، فَجَعَلَهَا بَیْنَهُ الْحَرَامَ الَّذی جَعَلَهُ لِلنَّاسِ قِیَاماً. ثُمَّ وَضَعَهُ بِأَوْعَرِ بِقَاعِ الأَرْضِ حَجَراً، وَ أَقَلِّ نَتَائِقِ الدُّنْیَا مَدَراً، وَ أَضْیَقِ بُطُونِ الأَوْدیَةِ قُطْراً، وَ أَغْلَظِ مَحَالِّ الْمُسْلِمینَ مِیَاهاً[38]، بَیْنَ جِبَالٍ خَشِنَةٍ، وَ رِمَالٍ دَمِثَةٍ، وَ عُیُونٍ وَ شِلَةٍ، وَ قُریً مُنْقَطِعَةٍ، وَ أَثَرٍ مِنْ مَوَاضِعِ قَطْرِ السَّمَاءِ دَاثِرٍ[39]، لاَ یَزْكُو بِهَا خُفٌّ وَ لاَ حَافِرٌ وَ لاَ ظِلْفٌ. ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ عَلَیْهِ السَّلاَمُ وَ وَلَدَهُ أَنْ یَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ[40] نَحْوَهُ، فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ، وَ غَایَةً لِمُلْقی رِحَالِهِمْ. تَهْوی إِلَیْهِ ثِمَارُ الأَفْئِدَةِ مِنْ مَفَاوِزِ قِفَارٍ سَحیقَةٍ، وَ مَهَاوی فِجَاجٍ عَمیقَةٍ، وَ جَزَائِرِ بِحَارٍ مُنْقَطِعَةٍ، حَتَّی یَهُزُّوا مَنَاكِبَهُمْ ذُلُلاً، یُهَلِّلُونَ للَّهِ حَوْلَهُ، وَ یَرْمُلُونَ[41] عَلی أَقْدَامِهِمْ شُعْثاً غُبْراً لَهُ، قَدْ نَبَذُوا الْقُنَعَ وَ[42] السَّرَابیلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَ شَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ الشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمْ، ابْتِلاَءً عَظیماً، وَ امْتِحَاناً شَدیداً، وَ اخْتِبَاراً مُبیناً[43]، وَ تَمْحیصاً بَلیغاً. جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالی سَبَباً لِرَحْمَتِهِ، وَ عِلَّةً لِمَغْفِرَتِهِ[44]، وَ وُصْلَةً[45] إِلی جَنَّتِهِ. [صفحه 140] وَ لَوْ أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ یَضَعَ بَیْتَهُ الْحَرَامَ، وَ مَشَاعِرَهُ الْعِظَامَ، بَیْنَ جَنَّاتٍ وَ أَنْهَارٍ، وَ سَهْلٍ وَ قَرَارٍ، جَمِّ الأَشْجَارِ، دَانِی الثِّمَارِ، مُلْتَفِّ الْبُنی، مُتَّصِلِ الْقُری، بَیْنَ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ، وَ رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، وَ أَرْیَافٍ مُحْدِقَةٍ، وَ عِرَاصٍ مُغْدِقَةٍ، وَ زُرُوعٍ[46] نَاضِرَةٍ، وَ طُرُقٍ عَامِرَةٍ، وَ حَدَائِقَ كَثیرَةٍ[47]، لَكَانَ قَدْ صَغُرَ[48] قَدْرُ الْجَزَاءِ عَلی حَسَبِ ضَعْفِ الْبَلاَءِ. وَ لَوْ كَانَ الإِسَاسُ الْمَحْمُولُ عَلَیْهَا، وَ الأَحْجَارُ الْمَرْفُوعُ بِهَا، مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ، وَ یَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، وَ نُورٍ وَ ضِیَاءٍ، لَخَفَّفَ ذَلِكَ مُصَارَعَةَ[49] الشَّكِّ فِی الصُّدُورِ، وَ لَوَضَعَ مُجَاهَدَةَ إِبْلیسَ عَنِ الْقُلُوبِ، وَ لَنَفی مُعْتَلَجَ الرَّیْبِ مِنَ النَّاسِ. وَ لكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ یَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ، وَ یَتَعَبَّدُهُمْ بِأَلْوَانِ الْمَجَاهِدِ، وَ یَبْتَلیهِمْ بِضُرُوبِ الْمَكَارِهِ، إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَ إِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فی نُفُوسِهِمْ، وَ لِیَجْعَلَ ذَلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلی فَضْلِهِ، وَ أَسْبَاباً ذُلُلاً لِعَفْوِهِ كَمَا قَالَ: اَلَم. أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَكُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لاَ یُفْتَنُونَ وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَیَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذینَ صَدَقُوا وَ لَیَعْلَمَنَّ الْكَاذِبینَ[50]. فَاللَّهَ اللَّهَ فی عَاجِلِ الْبَغْیِ، وَ آجِلِ وَ خَامَةِ الظُّلْمِ، وَ سُوءِ عَاقِبَةِ الْكِبْرِ، فَإِنَّهَا مَصْیَدَةُ إِبْلیسَ الْعُظْمی، وَ مَكیدَتُهُ الْكُبْرَی، الَّتی تُسَاوِرُ قُلُوبَ الرِّجَالِ مُسَاوَرَةَ السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ، فَمَا تُكْدی أَبَداً، وَ لاَ تُشْوی أَحَداً، لاَ عَالِماً لِعِلْمِهِ، وَ لاَ مُقِلاً فی طِمْرِهِ. وَ عَنْ ذَلِكَ مَا حَرَسَ اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنینَ بِالصَّلاَةِ وَ الزَّكَاةِ[51]، وَ مُجَاهَدَةِ الصِّیَامِ فِی الأَیَّامِ الْمَفْرُوضَاتِ، تَسْكیناً لأَطْرَافِهِمْ، وَ تَخْشیعاً لأَبْصَارِهِمْ، وَ تَذْلیلاً لِنُفُوسِهِمْ، وَ تَخْفیضاً[52] لِقُلُوبِهِمْ، وَ إِذْهَاباً لِلْخُیَلاَءِ عَنْهُمْ، لِمَا فی ذَلِكَ مِنْ تَعْفیرِ عِتَاقِ[53] الْوُجُوهِ بِالتُّرَابِ تَوَاضُعاً، وَ إِلْصَاقِ كَرَائِمِ [صفحه 141] الْجَوَارِحِ بِالأَرْضِ تَصَاغُراً، وَ لُحُوقِ الْبُطُونِ بِالْمُتُونِ مِنَ الصِّیَامِ تَذَلُّلاً، مَعَ مَا فِی الزَّكَاةِ مِنْ صَرْفِ ثَمَرَاتِ الأَرْضِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ إِلی أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ وَ الْفَقْرِ. أُنْظُرُوا[54] إِلی مَا فی هذِهِ الأَفْعَالِ[55] مِنْ قَمْعِ نَوَاجِمِ الْفَخْرِ، وَ قَدْعِ[56] طَوَالِعِ الْكِبْرِ. وَ لَقَدْ نَظَرْتُ فَمَا وَجَدْتُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمینَ یَتَعَصَّبُ لِشَیْ ءٍ مِنَ الأَشْیَاءِ إِلاَّ عَنْ عِلَّةٍ تَحْتَمِلُ تَمْویهَ الْجُهَلاَءِ، أَوْ حُجَّةٍ تَلیطُ بِعُقُولِ السُّفَهَاءِ، غَیْرَكُمْ، فَإِنَّكُمْ تَتَعَصَّبُونَ لأَمْرٍ مَا یُعْرَفُ لَهُ سَبَبٌ وَ لاَ عِلَّةٌ. أَمَّا إِبْلیسُ فَتَعَصَّبَ عَلی آدَمَ لأَصْلِهِ، وَ طَعَنَ عَلَیْهِ فی خِلْقَتِهِ، فَقَالَ: أَنَا نَارِیٌّ وَ أَنْتَ طینِیٌّ. وَ أَمَّا الأَغْنِیَاءُ مِنْ مُتْرَفَةِ الأُمَمِ، فَتَعَصَّبُوا لآثَارِ مَوَاقِعِ النِّعَمِ، فَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَ أَوْلاَداً وَ مَا نَحْنُ بِمُعَذَّبینَ[57]. فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مِنَ الْعَصَبِیَّةِ، فَلْیَكُنْ تَعَصُّبُكُمْ لِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ[58]، وَ مَحَامِدِ الأَفْعَالِ، وَ مَحَاسِنِ الأُمُورِ، الَّتی تَفَاضَلَتْ فیهَا الْمُجَدَاءُ وَ النُّجَدَاءُ، مِنْ بُیُوتَاتِ الْعَرَبِ، وَ یَعَاسیبِ الْقَبَائِلِ، بِالأَخْلاَقِ الرَّغیبَةِ، وَ الأَحْلاَمِ الْعَظیمَةِ، وَ الأَخْطَارِ الْجَلیلَةِ، وَ الآثَارِ الْمَحْمُودَةِ. فَتَعَصَّبُوا لِخِلاَلِ الْحَمْدِ، مِنَ الْحِفْظِ لِلْجِوَارِ، وَ الْوَفَاءِ بِالذِّمَامِ، وَ الطَّاعَةِ لِلْبِرِّ، وَ الْمَعْصِیَةِ لِلْكِبْرِ، وَ الأَخْذِ بِالْفَضْلِ، وَ الْكَفِّ عَنِ الْبَغْیِ، وَ الإِعْظَامِ لِلْقَتْلِ، وَ الاِنْصَافِ لِلْخَلْقِ، وَ الْكَظْمِ لِلْغَیْظِ، وَ اجْتِنَابِ الْفَسَادِ فِی الأَرْضِ. وَ احْذَرُوا مَا نَزَلَ بِالأُمَمِ قَبْلَكُمْ مِنَ الْمَثُلاَتِ، بِسُوءِ الأَفْعَالِ، وَ ذَمیمِ الأَعْمَالِ، فَتَذَكَّرُوا فِی الْخَیْرِ وَ الشَّرِّ أَحْوَالَهُمْ، وَ احْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ. فَإِذَا تَفَكَّرْتُمْ فی تَفَاوُتِ حَالَیْهِمْ، فَالْزَمُوا كُلَّ أَمْرٍ لَزِمَتِ الْعِزَّةُ بِهِ حَالَهُمْ[59]، وَ زَاحَتِ الأَعْدَاءُ [صفحه 142] لَهُ عَنْهُمْ، وَ مُدَّتِ الْعَافِیَةُ بِهِ[60] عَلَیْهِمْ، وَ انْقَادَتِ النَّعْمَةُ لَهُ مَعَهُمْ، وَ وَصَلَتِ الْكَرَامَةُ عَلَیْهِ حَبْلَهُمْ، مِنَ الاِجْتِنَابِ لِلْفُرْقَةِ، وَ اللُّزُومِ لِلأُلْفَةِ، وَ التَّحَاضِّ عَلَیْهَا، وَ التَّوَاصی بِهَا، وَ اجْتَنِبُوا كُلَّ أَمْرٍ كَسَرَ فِقْرَتَهُمْ، وَ أَوْهَنَ مُنَّتَهُمْ، مِنْ تَضَاغُنِ الْقُلُوبِ، وَ تَشَاحُنِ الصُّدُورِ، وَ تَدَابُرِ النُّفُوسِ، وَ تَخَاذُلِ الأَیْدی. وَ تَدَبَّرُوا أَحْوَالَ الْمَاضینَ مِنَ الْمُؤْمِنینَ قَبْلَكُمْ، كَیْفَ كَانُوا فی حَالِ التَّمْحیصِ وَ الْبَلاَءِ. أَلَمْ یَكُونُوا أَثْقَلَ الْخَلاَئِقِ أَعْبَاءً، وَ أَجْهَدَ الْعِبَادِ بَلاَءً، وَ أَضْیَقَ أَهْلِ الدُّنْیَا حَالاً؟. إِتَّخَذَتْهُمُ الْفَرَاعِنَةُ عَبیداً، فَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ، وَ جَرَّعُوهُمْ جُرَعَ الْمُرَارَ، فَلَمْ تَبْرَحِ الْحَالُ بِهِمْ فی ذُلِّ الْهَلَكَةِ وَ قَهْرِ الْغَلَبَةِ، لاَ یَجِدُونَ حیلَةً فِی امْتِنَاعٍ، وَ لاَ سَبیلاً إِلی دِفَاعٍ. حَتَّی إِذَا رَأَی اللَّهُ سُبْحَانَهُ جِدَّ الصَّبْرِ مِنْهُمْ عَلَی الأَذی فی مَحَبَّتِهِ، وَ الاِحْتِمَالِ لِلْمَكْرُوهِ مِنْ خَوْفِهِ، جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَضَایِقِ الْبَلاَءِ فَرَجاً، فَأَبْدَلَهُمُ الْعِزَّ مَكَانَ الذُّلِّ، وَ الأَمْنَ مَكَانَ الْخَوْفِ، فَصَارُوا مُلُوكاً حُكَّاماً، وَ أَئِمَّةً أَعْلاَماً، وَ بَلَغَتِ الْكَرَامَةُ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ مَا لَمْ تَذْهَبِ[61] الآمَالُ إِلَیْهِ بِهِمْ. فَانْظُرُوا كَیْفَ كَانُوا حَیْثُ كَانَتِ الأَمْلاَءُ مُجْتَمِعَةً، وَ الأَهْوَاءُ مُؤْتَلِفَةً[62]، وَ الْقُلُوبُ مُعْتَدِلَةً، وَ الأَیْدی مُتَرَادِفَةً[63]، وَ السُّیُوفُ مَتَنَاصِرَةً، وَ الْبَصَائِرُ نَافِذَةً، وَ الْعَزَائِمُ وَاحِدَةً؟. أَلَمْ یَكُونُوا أَرْبَاباً فی أَقْطَارِ الأَرَضینَ، وَ مُلُوكاً عَلی رِقَابِ الْعَالَمینَ؟. وَ انْظُرُوا إِلی مَا صَارُوا إِلَیْهِ فی آخِرِ أُمُورِهِمْ، حینَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ، وَ تَشَتَّتَتِ الأُلْفَةُ، وَ اخْتَلَفَتِ الْكَلِمَةُ وَ الأَفْئِدَةُ، وَ تَشَعَّبُوا مُخْتَلِفینَ، وَ تَفَرَّقُوا مُتَحَارِبینَ، قَدْ خَلَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِبَاسَ كَرَامَتِهِ، وَ سَلَبَهُمْ غَضَارَةَ نِعْمَتِهِ، وَ بَقَّی قَصَصَ أَخْبَارِهِمْ فیكُمْ، عِبْرَةً لِلْمُعْتَبِرینَ مِنْكُمْ. فَاعْتَبِرُوا بِحَالِ وُلْدِ إِسْمَاعیلَ، وَ بَنی إِسْحَاقَ، وَ بَنی إِسْرَائیلَ عَلَیْهِمُ السَّلاَمُ، فَمَا أَشَدَّ اعْتِدَالَ الأَحْوَالِ، وَ أَقْرَبَ اشْتِبَاهَ الأَمْثَالِ. تَأَمَّلُوا أَمْرَهُمْ فی حَالِ تَشَتُّتِهِمْ وَ تَفَرُّقِهِمْ، لَیَالِیَ كَانَتِ الأَكَاسِرَةُ وَ الْقَیَاصِرَةُ أَرْبَاباً لَهُمْ، یَحْتَازُونَهُمْ عَنْ ریفِ الآفَاقِ، وَ بَحْرِ الْعِرَاقِ، وَ خُضْرَةِ الدُّنْیَا، إِلی مَنَابِتِ الشّیحِ، وَ مَهَافِی[64] الرّیحِ، وَ نَكَدِ الْمَعَاشِ، فَتَرَكُوهُمْ عَالَةً مَسَاكینَ، إِخْوَانَ دَبَرٍ وَ وَبَرٍ. [صفحه 143] أَذَلَّ الأُمَمِ دَاراً، وَ أَجْدَبَهُمْ قَرَاراً، لاَ یَأْوُونَ إِلی جَنَاحِ دَعْوَةٍ یَعْتَصِمُونَ بِهَا، وَ لاَ إِلی ظِلِّ أُلْفَةٍ یَعْتَمِدُونَ عَلی عِزِّهَا. فَالأَحْوَالُ مُضْطَرِبَةٌ، وَ الأَیْدی مُخْتَلِفَةٌ، وَ الْكَثْرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ، فی بَلاَءِ أَزْلٍ، وَ أَطْبَاقِ جَهْلٍ، مِنْ بَنَاتٍ مَوْؤُدَةٍ، وَ أَصْنَامٍ مَعْبُودَةٍ، وَ أَرْحَامٍ مَقْطُوعَةٍ، وَ غَارَاتٍ مَشْنُونَةٍ. فَانْظُرُوا إِلی مَوَاقِعِ نِعَمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَیْهِمْ[65] حینَ بَعَثَ إِلَیْهِمْ رَسُولاً، فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طَاعَتَهُمْ، وَ جَمَعَ عَلی دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ، كَیْفَ نَشَرَتِ النِّعْمَةُ عَلَیْهِمْ جَنَاحَ كَرَامَتِهَا، وَ أَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعیمِهَا، وَ الْتَفَّتِ[66] الْمِلَّةُ بِهِمْ فی عَوَائِدِ بَرَكَتِهَا، فَأَصْبَحُوا فی نِعْمَتِهَا غَرِقینَ، وَ فی خُضْرَةِ عَیْشِهَا فَكِهینَ. قَدْ تَرَبَّعَتِ الأُمُورُ بِهِمْ فی ظِلِّ سُلْطَانٍ قَاهِرٍ، وَ آوَتْهُمُ الْحَالُ إِلی كَنَفِ عِزٍّ غَالِبٍ، وَ تَعَطَّفَتِ الأُمُورُ عَلَیْهِمْ فی ذُری مُلْكٍ ثَابِتٍ، فَهُمْ حُكَّامٌ عَلَی الْعَالَمینَ، وَ مُلُوكٌ فی أَطْرَافِ الأَرَضینَ، یَمْلِكُونَ الأُمُورَ عَلی مَنْ كَانَ یَمْلِكُهَا عَلَیْهِمْ، وَ یُمْضُونَ الأَحْكَامَ فیمَنْ كَانَ یُمْضیهَا فیهِمْ. لاَ تُغْمَزُ لَهُمْ قَنَاةٌ، وَ لاَ تُقْرَعُ لَهُمْ صَفَاةٌ. أَلاَ وَ إِنَّكُمْ قَدْ نَفَضْتُمْ أَیْدِیَكُمْ مِنْ حَبْلِ الطَّاعَةِ، وَ ثَلَمْتُمْ حِصْنَ اللَّهِ الْمَضْرُوبِ عَلَیْكُمْ بِأَحْكَامِ الْجَاهِلِیَّةِ، وَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدِ امْتَنَّ عَلی جَمَاعَةِ هذِهِ الأُمَّةِ، فیمَا عَقَدَ بَیْنَهُمْ مِنْ حَبْلِ هذِهِ الأُلْفَةِ الَّتی یَتَنَقَّلُونَ[67] فی ظِلِّهَا، وَ یَأْوُونَ إِلی كَنَفِهَا، بِنِعْمَةٍ لاَ یَعْرِفُ أَحَدٌ مِنَ الْمَخْلُوقینَ لَهَا قیمَةً لأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ كُلِّ ثَمَنٍ، وَ أَجَلُّ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ. وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَعْرَاباً، وَ بَعْدَ الْمُوَالاَةِ أَحْزَاباً، مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ إِلاَّ بِاسْمِهِ، وَ لاَ تَعْرِفُونَ مِنَ الإیمَانِ إِلاَّ[68] رَسْمَهُ. تَقُولُونَ: النَّارَ وَ لاَ الْعَارَ. كَأَنَّكُمْ تُریدُونَ أَنْ تُكْفِئُوا الإِسْلاَمَ عَلی وَجْهِهِ، انْتِهَاكاً لِحَریمِهِ، وَ نَقْضاً لِمیثَاقِهِ الَّذی وَضَعَهُ اللَّهُ لَكُمْ حَرَماً فی أَرْضِهِ، وَ أَمْناً بَیْنَ خَلْقِهِ. [صفحه 144] وَ إِنَّكُمْ إِنْ لَجَأْتُمْ إِلی غَیْرِهِ حَارَبَكُمْ أَهْلُ الْكُفْرِ، ثُمَّ لاَ جِبْرَائیلَ وَ لاَ میكَائیلَ، وَ لاَ مُهَاجِرینَ وَ لاَ أَنْصَارَ یَنْصُرُونَكُمْ، إِلاَّ الْمُقَارَعَةَ بِالسَّیْفِ حَتَّی یَحْكُمَ اللَّهُ بَیْنَكُمْ. وَ إِنَّ عِنْدَكُمُ الأَمْثَالَ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ تَعَالی وَ قَوَارِعِهِ، وَ أَیَّامِهِ وَ وَقَائِعِهِ، فَلاَ تَسْتَبْطِئُوا وَعیدَهُ جَهْلاً بِأَخْذِهِ، وَ تَهَاوُناً بِبَطْشِهِ، وَ یَأْساً مِنْ بَأْسِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالی لَمْ یَلْعَنِ الْقَرُونَ الْمَاضِیَةَ بَیْنَ أَیْدیكُمْ إِلاَّ لِتَرْكِهِمُ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَ النَّهْیَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَلَعَنَ السُّفَهَاءَ لِرُكُوبِ الْمَعَاصی، وَ الْحُكَمَاءَ[69] لِتَرْكِ التَّنَاهی. أَلاَ وَ قَدْ قَطَّعْتُمْ[70] قَیْدَ الإِسْلاَمِ، وَ عَطَّلْتُمْ حُدُودَهُ، وَ أَمَتُّمْ أَحْكَامَهُ. أَلاَ وَ قَدْ أَمَرَنِیَ اللَّهُ بِقِتَالِ أَهْلِ الْبَغْی وَ النَّكْثِ وَ الْفَسَادِ فِی الأَرْضِ. فَأَمَّا النَّاكِثُونَ فَقَدْ قَاتَلْتُ. وَ أَمَّا الْقَاسِطُونَ فَقَدْ جَاهَدْتُ. وَ أَمَّا الْمَارِقَةُ فَقَدْ دَوَّخْتُ. وَ أَمَّا شَیْطَانُ الرَّدْهَةِ[71] فَقَدْ كُفَیتُهُ بِصَعْقَةٍ سُمِعَتْ لَهَا وَجْبَةُ قَلْبِهِ، وَ رَجَّةُ صَدْرِهِ. وَ بَقِیَتْ بَقِیَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْی، وَ لَئِنْ أَذِنَ اللَّهُ فِی الْكَرَّةِ عَلَیْهِمْ لأُدیلَنَّ مِنْهُمْ، إِلاَّ مَا یَتَشَذَّرُ فی أَطْرَافِ الأَرْضِ[72] تَشَذُّراً[73]. أَنَا وَضَعْتُ فِی الصِّغَرِ بِكَلاَكِلِ الْعَرَبِ، وَ كَسَرْتُ نَوَاجِمَ قُرُونِ رَبیعَةَ وَ مُضَرَ. وَ قَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعی مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِالْقَرَابَةِ الْقَریبَةِ، وَ الْمَنْزِلَةِ الْخَصیصَةِ. وَضَعَنی فی حِجْرِهِ وَ أَنَا وَلَدٌ[74]، یَضُمُّنی إِلی صَدْرِهِ، وَ یَكْنُفُنی فی فِرَاشِهِ، وَ یُمِسُّنی جَسَدَهُ، [صفحه 145] وَ یُشِمُّنی عَرْفَهُ. وَ كَانَ یَمْضَغُ الشَّیْ ءَ ثُمَّ یُلْقِمُنیهِ. وَ مَا وَجَدَ لی كَذْبَةً فی قَوْلٍ، وَ لاَ خَطْلَةً فی فِعْلٍ. وَ لَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطیماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ، یَسْلُكُ بِهِ طَریقَ الْمَكَارِمِ، وَ مَحَاسِنَ أَخْلاَقِ الْعَالَمِ، لَیْلَهُ وَ نَهَارَهُ. وَ لَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصیلِ أَثَرَ أُمِّهِ، یَرْفَعُ لی فی كُلِّ یَوْمٍ عَلَماً مِنْ أَخْلاَقِهِ، وَ یَأْمُرُنی بِالاِقْتِدَاءِ بِهِ. وَ لَقَدْ كَانَ یُجَاوِرُ فی كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأَرَاهُ وَ لاَ یَرَاهُ غَیْری. وَ لَمْ یَجْمَعْ بَیْتٌ وَاحِدٌ یَوْمَئِذٍ فِی الإِسْلاَمِ غَیْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ خَدیجَةَ وَ أَنَا ثَالِثُهُمَا، أَری نُورَ الْوَحْیِ وَ الرِّسالَةِ، وَ أَشُمُّ ریحَ النُّبُوَّةِ. وَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّهَ الشَّیْطَانِ حینَ نَزَلَ الْوَحْیُ عَلَیْهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، فَقُلْتُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هذِهِ الرَّنَّةُ؟. فَقَالَ: هذَا الشَّیْطَانُ قَدْ أَیِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ، وَ تَری مَا أَری، إِلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِیٍّ، وَ لكِنَّكَ لَوَزیرٌ، وَ إِنَّكَ لَعَلی خَیْرٍ. وَ لَقَدْ كُنْتُ مَعَهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لَمَّا أَتَاهُ الْمَلأُ مِنْ قُرَیْشٍ، فَقَالُوا لَهُ: یَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ قَدِ ادَّعَیْتَ عَظیماً، لَمْ یَدَّعِهِ آبَاؤُكَ وَ لاَ أَحَدٌ مِنْ بَیْتِكَ[75]، وَ نَحْنُ نَسْأَلُكَ أَمْراً إِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنَا إِلَیْهِ وَ أَرَیْتَنَاهُ عَلِمْنَا أَنَّكَ نَبِیُّ وَ رَسُولٌ، وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّكَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ. فَقَالَ لَهُمْ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: وَ مَا تَسْأَلُونَ؟. قَالُوا: تَدْعُو لَنَا هذِهِ الشَّجَرَةَ حَتَّی تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا وَ تَقِفَ بَیْنَ یَدَیْكَ. فَقَالَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدیرٌ، فَإِنْ فَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ ذَلِكَ، أَتُوْمِنُونَ وَ تَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ؟. قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنّی سَأُریكُمْ مَا تَطْلُبُونَ، وَ إِنّی لأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لاَ تَفیئُونَ إِلی خَیْرٍ، وَ أَنَّ فیكُمْ مَنْ یُطْرَحُ فِی [صفحه 146] الْقَلیبِ، وَ مَنْ یُحَزِّبُ الأَحْزَابَ. ثُمَّ قَالَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: یَا أَیَّتُهَا الشَّجَرَةُ إِنْ كُنْتِ تُؤْمِنینَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الآخِرِ، وَ تَعْلَمینَ أَنّی رَسُولُ اللَّهِ فَانْقَلِعی بِعُرُوقِكِ حَتَّی تَقِفی بَیْنَ یَدَیَّ بِإِذْنِ اللَّهِ. فَوَ الَّذی بَعَثَهُ بِالْحَقِّ نَبِّیاً، لانْقَلَعَتِ الشَّجَرَةُ بِعُرُوقِهَا، وَ جَاءَتْ وَ لَهَا دَوِیٌّ شَدیدٌ، وَ قَصْفٌ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ الطَّیْرِ، حَتَّی وَقَفَتْ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مُرَفْرِفَةً، وَ أَلْقَتْ بِغُصْنِهَا الأعْلی عَلی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ بِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلی مَنْكِبی، وَ كُنْتُ عَنْ یَمیِنِه صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ. فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إِلی ذَلِكَ قَالُوا، عُلُوّاً وَ اسْتِكْبَاراً: فَمُرْهَا فَلْیَأْتِكَ نِصْفُهَا، وَ یَبْقی نِصْفُهَا. فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ. فَأَقْبَلَ إِلَیْهِ نِصْفُهَا كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وَ أَشَّدِّهِ دَوِیّاً، فَكَادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ. فَقَالُوا، كُفْراً وَ عُتُوّاً: فَمُرْ هذَا النِّصْفَ فَلْیَرْجِعْ إِلی نِصْفِهِ كَمَا كَانَ. فَأَمَرَهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَرَجَعَ. فَقُلْتُ أَنَا: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، إِنّی أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ، وَ أَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالی تَصْدیقاً لِنُبُوَّتِكَ، وَ إِجْلاَلاً لِكَلِمَتِكَ. فَقَالَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ: بَلْ سَاحِرٌ كَذَّابٌ، عَجیبُ السِّحْرِ خَفیفٌ فیهِ. وَ هَلْ یُصَدِّقُكَ فی أَمْرِكَ إِلاَّ مِثْلُ هذَا. یَعْنُونَنی. وَ إِنّی لَمِنْ قَوْمٍ لاَ تَأْخُذُهُمْ فِی اللَّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ. سیمَاهُمْ سیمَا الصِّدِّیقینَ، وَ كَلاَمُهُمْ كَلاَمُ الأَبْرَارِ. عُمَّارُ اللَّیْلِ، وَ مَنَارُ النَّهَارِ. [صفحه 147] مُتَمَسِّكُونَ بِحَبْلِ اللَّهِ الْقُرْآنِ، یُحْیُونَ سُنَنَ اللَّهِ وَ سُنَنَ رَسُولِهِ. لاَ یَسْتَكْبِرُونَ وَ لاَ یَعْلُونَ، وَ لاَ یَغُلُّونَ وَ لاَ یُفْسِدُونَ. قُلُوبُهُمْ فِی الْجِنَانِ، وَ أَجْسَادُهُمْ فِی الْعَمَلِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذی لَبِسَ الْعِزَّ وَ الْكِبْرِیَاءَ وَ اخْتَارَهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ، وَ جَعَلَهُمَا حِمیً وَ حَرَماً عَلی غَیْرِهِ، وَ اصْطَفَاهُمَا لِجَلاَلِهِ، وَ جَعَلَ اللَّعْنَةَ عَلی مَنْ نَازَعَهُ فیهِمَا مِنْ عِبَادِهِ. ثُمَّ اخْتَبَرَ
صفحه 134، 135، 136، 137، 138، 139، 140، 141، 142، 143، 144، 145، 146، 147.
و نسخة ابن أبی المحاسن ص 253. و نسخة الأسترابادی ص 291. و متن منهاج البراعة ج 11 ص 281. و نسخة عبده ص 240. و نسخة العطاردی ص 289. و نسخة الآملی ص 223. و نسخة عبده ص 429. و نسخة الصالح ص 294. و نسخة العطاردی ص 295.